فصل: الفصل السابع: في الإعادة في جماعة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الذخيرة في فروع المالكية ***


الفصل الثالث‏:‏ في الترجيح بين الأئمة إذا اجتمعوا‏:‏

في الجواهر‏:‏ من أفرد بالعلم والورع فهو أولى إذ بهما تؤدى الصلاة وتحصل الشفاعة، فإن تعدد من جمعها رجح بالفضائل الشرعية والخلقية والمكانية كشرف النسب فإنه يبعث على صيانة المتصف به عما ينافي دينه، ويوجب له أنفه عن ذلك‏.‏ والسن؛ لقوله عليه السلام‏:‏ البركة في أكابركم‏.‏ ولأنه أطاع الله قبل الأصاغر فيتميز بذلك‏.‏ وكمال الصورة؛ لأن جمال الخلق يدل على جمال الأخلاق غالبا، وحسن اللباس فإنه يدل على شرف النفس والعبد عن النجاسات؛ لكونها مستقذرات، وكمال البنية فإنه يدل على وفور العقل، وحسن الخلق فإنه من أعظم صفات الشرف، وتقدم الأمير على الرعية؛ لئلا تنقص حرمته في النفوس بتقديم غيره عليه فتختل المصالح العامة‏.‏ والفقيه على الصالح؛ لأن الفقه مقصود لصون الأركان والشروط عن المفسدات والصلاح من التتمات فإن تساووا وتشاحوا أقرع بينهم إن طلبوا الفضيلة لا الرياسة، وفي مسلم يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سنا، ولا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه، ولا يقعد على تكرمته إلا بإذنه، وقال ابن حنبل‏:‏ القارئ أولى من العالم لظاهر الحديث‏.‏

وجوابه‏:‏ أن أقرأهم حينئذ كان أعلمهم، وليس ذلك محل النزاع، ورجح مالك بالقرابة في العتبية فقال‏:‏ لا يؤم عمه وإن كان أصغر منه، ووافقه ح‏.‏

تنبيه‏:‏

قال صاحب الطراز‏:‏ وقع في التهذيب غلط وهو قوله يؤم الأعلم إذا كان أحسنهم حالا، وإنما في الكتاب إذا كانت حاله حسنة، والفرق ظاهر بين حسن وأحسن‏.‏

فرع‏:‏

قال في الكتاب‏:‏ صاحب المنزل أولى ممن حضره، قال صاحب الطراز‏:‏ وكذلك تمنع الإمامة في مسجد الإمام الراتب إلا بإذنه؛ لاندراج جميع ذلك تحت الحديث المتقدم، وينبغي لرب المنزل أن يأذن لمن هو أفضل منه، وأهل كل المسجد أولى بإمامته إلا أن يحضرهم الوالي، ولا يتقدم رب الدار على من يكره إمامته؛ لما في الترمذي لعن عليه السلام ثلاثة‏:‏ رجلا أم قوما وهم له كارهون، وامرأة بات زوجها عليها ساخطا، ورجلا سمع حي على الفلاح فلم يجب‏.‏ قال‏:‏ ولا فرق بين كراهة جميعهم أو أكثرهم، وأهل الفضل منهم وإن قلوا، ولو كان صاحب الدار عبدا، قال مالك‏:‏ هو أولى فلو كانت امرأة، قال بعض الأصحاب‏:‏ تولي رجلا؛ لأنه منزلها لا يتصرف فيه إلا بإذنها، وفي الجواهر يستوي مالك الدار ومنفعتها‏.‏

قاعدة‏:‏

يتقدم في كل ولاية من هو أقوم بمصالحها فيتقدم للقضاء من هو أكثر يقظة بوجوه الحجاج والأحكام، وفي الحروب من هو أعلم بمكايدها وأشد إقداما عليها، وأعرف بسياسة خبرها، وفي الزكاة من هو أعلم بنصبها وأحكامها، وفي إمامة الحكم من هو أعلم بتدبير الأيتام، وتنمية الأموال وقد يكون الشخص الواحد ناقصا في باب كاملا في غيره، كالمرأة ناقصة في ولاية الحروب كاملة باعتبار الحضانة؛ لأن فيها من الصبر على الطفل وتحصيل مصالحه ما ليس في الرجال فعلى هذه القاعدة قدم الفقيه على القارئ؛ لأنه أعلم بإقامة أركانها، ودرء مفسداتها، وكذلك سائر الأوصاف التي قدمناها لها مدخل في تحصيل مصلحة الصلاة إلا الإمارة فإنا قدمنا المصلحة العامة فيها على الخاصة، واستشكل على ذلك التقديم بالمكان نحو رب الدار والمسجد فإن المكان لا مدخل له في مصلحة الصلاة، وليس فيه مصلحة تترك له مصلحة الصلاة، وقد كتب عمر - رضي الله عنه - إلى عماله إن أهم أمركم عندي الصلاة، وهي أفضل الأعمال بعد الإيمان فكانت رعايتها أولى من رعاية صاحب المنزل‏.‏

الفصل الرابع‏:‏ في تبعية الإمام في المكان

وفيه فروع أربعة‏:‏

الأول‏:‏ قال في الكتاب‏:‏ إذا صلى بقوم على ظهر المسجد وهم أسفل من ذلك لا يعجبني‏.‏ قال صاحب الطراز‏:‏ ظاهر المذهب لا فرق بين أن يكون معه جماعة أم لا، وفي الجلاب إذا كان معه طائفة فلا بأس؛ لأن المقصود اتباع الإمام في المكان، وكذلك كره مالك صلاتهم فوقه، أو في دور محجور عليها بإمام في المسجد، وفي أبي داود قال عليه السلام‏:‏ إذا أم الرجل القوم فلا يقم في مكان أرفع من مقامهم‏.‏ قال‏:‏ والمذهب صحة الصلاة، وقال صاحب الإشراف‏:‏ إذا كان الإمام فوق السطح لا تصح صلاة المأموم؛ لأنه محتاج إلى عمل في الصلاة بالنظر لضبط أحوال الإمام، قال‏:‏ وهو ينتقض بمن كان إمامه على يمينه أو يساره، والكراهة مع عدم الضرورة، وإعادة المأموم في الوقت عند ابن حبيب، ولا كراهة في الكدى؛ لأنها في العرف أرض واحدة، قال في الكتاب‏:‏ وعليهم الإعادة بعد الوقت إذا صلى إمامهم على دكان في المحراب، إلا أن تكون يسيرة الارتفاع فصلاتهم تامة‏.‏ قال صاحب النوادر‏:‏ قال بعض أصحابنا‏:‏ مثل الشبر وعظم الذراع، قال صاحب الطراز‏:‏ وقد أسقط أبو سعيد المسألة الأولى اكتفاء بهذه وليست في معناها، فإن هذه أشار فيها مالك لفعل بني أمية فإنهم كانوا يفعلون ذلك كبرياء وهو ينافي الصلاة؛ لكونها مبنية على الخشوع والخضوع، وفي الجواهر إذا كان الارتفاع كثيرا ففي بطلان صلاة المرتفع ثلاثة أقوال‏:‏ البطلان ونفيه واشترط التكبير في حق المأموم، والبطلان في حق الإمام مطلقا، وكل من قصد التكبر منهما بطلت صلاته وصلاة من خلفه إذا كان إماما، ولا خلاف في المذهب أن القصد إلى ذلك محرم، وأنه متى حصل بطلت الصلاة، وإذا كان مع الإمام طائفة قصدوا التكبر على بقية الجماعة بطلت صلاتهم، وإن لم يقصدوا ففي الإعادة قولان‏.‏

الثاني‏:‏ كره في الكتاب الصلاة بين يدي الإمام، قال‏:‏ وهي تامة، وقال ش وح‏:‏ فاسدة ولو كانوا في المسجد، ومنع ش في الدور إلا أن تتصل الصفوف‏.‏ لنا ما رواه مالك في الكتاب أن دارا لآل عمر بن الخطاب أمام القبلة كانوا يصلون فيها بصلاة الإمام، ولم ينكر عليهم الصحابة - رضوان الله عليهم أجمعين - نعم يكره لعدم علمهم سهو الإمام، قال صاحب الطراز‏:‏ فإن سها الإمام يقطع المأموم، ولا يبني لنفسه مع وجود الإمام بخلاف السفن إذا فرقها الريح؛ لأنه بغير تفريط كالرعاف فإن تمادى معه فركع قبله وسجد بعده‏.‏ وقد قال مالك في الأعمى‏:‏ يفعل ذلك ولا يشعر يعيد الصلاة‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ يكتفي بتكبير من خلف الإمام ولو كان في المسجد مبلغ جاز؛ لأن إمام الكل واحد، وفي أبي داود اشتكى النبي - صلى الله عليه وسلم - فصلينا وراءه وهو قاعد وأبو بكر يسمع الناس الحديث‏.‏ وأجازه ابن عبد الحكم والشافعية في الفرض والنفل وابن حبيب في النفل، وفي الجواهر في صلاة المسمع والصلاة به ثلاثة أقوال،

ثالثها التفرقة بين إذن الإمام فتصح وبين عدمه فتبطل، الثالث أجاز في الكتاب صلاة أهل السفن المتقاربة بإمام واحد في واحدها، فلو فرقتهم الريح، ففي النوادر لابن عبد الحكم يستخلفون، قال أبو طاهر‏:‏ وإن صلوا أفذاذا جاز فإن اجتمعوا بعد التفرق لا يرجعون إلى الإمام بخلاف المسبوق يظن أن إمامه أكمل فيقوم للقضاء، ثم يتبين له فإنه يرجع ولا يعتد بما فعله، والفرق‏:‏ أن تفرقة السفن اضطرارية‏.‏

الرابع‏:‏ أجاز في الكتاب أن يكون بينهما نهر صغير، وقاله ش، ومنعه ح وجعل كل فاصل بينهما يقطع التبعية‏.‏ لنا أن أزواجه - عليه السلام - كن يصلين في حجرهن بصلاته - عليه السلام - وحد ش النهر بثلا، ثمائة ذراع بينه وبين الصفوف والإمام، وقال صاحب الإشراف‏:‏ إن كان الطريق أو النهر لا يمنع سماع التكبير جائز‏.‏

الفصل الخامس‏:‏ في مقام المأموم مع الإمام

وفي الجواهر هو مستحب، وفي الكتاب يقوم الرجل عن يمين الإمام فإن قام عن يساره رده عن يمينه؛ لأنه - عليه السلام - رد ابن عباس من يساره إلى يمينه من خلفه، ولأن اليمين أفضل، والمصلي مأمور بأفضل الهيئات والجهات، والمرأة خلفه؛ لأنها تشوش الفكر فتشغل عن النظر، والرجلان خلفه؛ لأن التصفيف مطلوب لقوله - عليه السلام - في الصحيحين‏:‏ أقيموا صفوفكم فإني أراكم من وراء ظهري‏.‏ والصبي مع الرجل بمنزلة الرجلين؛ لما في الموطأ أن مليكة دعته - عليه السلام - لطعام صنعته فأكل منه، ثم قال‏:‏ قوموا فأصلي لكم‏.‏ قال أنس‏:‏ فقمت إلى حصير لنا قد اسود من طول ما لبس فنضحته بماء فقام - عليه السلام - عليه وصففت أنا واليتيم وراءه والعجوز من ورائنا، فصلى لنا ركعتين وانصرف‏.‏ والرجل والمرأة الرجل عن يمينه والمرأة خلفه؛ لما في الصحيحين عن أنس أنه - عليه السلام - صلى به وبأمه أو خالته، قال‏:‏ فأقامني عن يمينه، وأقام المرأة خلفنا‏.‏

الفصل السادس‏:‏ في تسوية الصفوف

قال اللخمي‏:‏ يبتدأ بالصفوف من خلف الإمام، ثم من على يمينه وشماله حتى يتم الصف، ولا يبتدأ بالثاني حتى يكمل الأول، ولا بالثالث قبل الثاني، والصف الأول ما يلي الإمام فإن كان، ثم مقصورة محجرة، فالصف الأول الخارج عنها للوضوء بها‏.‏

فروع خمسة‏:‏

الأول‏:‏ قال في الكتاب‏:‏ من صلى خلف الصفوف فصلاته تامة فإن جبذ إليه أحدا فهو خطأ منهما‏.‏ والإجزاء قول ح وش، خلافا لابن حنبل، وبالغ فقال‏:‏ من افتتح صلاته منفردا خلف الإمام فلم يأت أحد حتى رفع رأسه من الركوع فصلاته، وصلاة من تلاحق به بعد ذلك باطلة؛ لما في أبي داود أنه - عليه السلام - رأى رجلا يصلي خلف الصف وحده فأمره بالإعادة‏.‏ لنا ما في البخاري عن أبي بكرة أنه دخل المسجد وهو - عليه السلام - راكع فركع دون الصف، فقال عليه السلام‏:‏ زادك الله حرصا ولا تعد‏.‏ وأما خطأ الموافق له فلأن الصف الأول أفضل، وقال ش‏:‏ فيستحب له ذلك، وفي أبي داود وسطوا الإمام، وسدوا الخلل‏.‏

الثاني‏:‏ قال صاحب الطراز‏:‏ من تأخر عن الصف لعذر، وصلى منفردا فلا شيء عليه، وأعاد عند مالك خلافا لابن حبيب‏.‏

الثالث‏:‏ قال في الكتاب‏:‏ من دخل وقد قامت الصفوف قام حيث شاء، وكان يتعجب ممن يقول يقوم حذو الإمام‏.‏ حجة المخالف‏:‏ أن ابتداء الصفوف من خلف الإمام وهذا مبتدئ صف وعند مالك ذلك خاص بالصف الأول، فإنه الموازي، وقال صاحب الطراز‏:‏ قال مالك‏:‏ إن رأى خللا في الصف سده إن لم يضيق على غيره، فرب خلل بين قائمين يسترانه إذا جلسا، ويخرق ثلاثة صفوف للفرجة فإن كانت الفرج كثيرة مشى إلى آخرها عند مالك، وإلى أقربها إلى الإمام عند ابن حبيب، فإن كانت الفرجة عن يمينه أو يساره، قال ابن حبيب‏:‏ يتركها، قال‏:‏ والذي قاله صحيح فيمن هو في الصلاة، أما من ليس في الصلاة فإنه يخرق الصفوف إلى الفرجة في الصف الأول كما فعله - عليه السلام - لما جاء من عند بني عمرو بن عوف فوجد أبا بكر يصلي بالناس‏.‏

الرابع‏:‏ قال في الكتاب‏:‏ إذا كانت طائفة عن يمين الإمام فلا بأس أن تقف طائفة عن يساره، ولا تلتصق بالطائفة التي عن يمينه، وكره تفريق الصفوف وكذلك في البخاري قال أنس‏:‏ كان أحدنا يلصق منكبه بمنكب صاحبه، وقدمه بقدمه‏.‏ وفي الموطأ أن عثمان - رضي الله عنه - كان لا يكبر حتى يأتيه رجال قد وكلهم بتسوية الصفوف فيخبرونه أن قد استوت فيكبر، وكذلك عمر‏.‏ قال صاحب الطراز‏:‏ فإن رأى رجلا خارجا من الصف يشير إليه، ويجوز تقطيع الصف الموغر في الموضع، وأرخص مالك للعالم يصلي في آخر المسجد في موضعه مع أصحابه وإن بعدت الصفوف عنهم ويسدون فرجهم، وأرخص في اعتدال الصف لطلب الشمس أو الظل، وأجاز في الكتاب الصلاة بين الأساطين إذا ضاق المسجد، وكراهيته‏:‏ إما لتقطيع الصفوف، أو لأنه مظنة النجاسة من الأحذية، قال‏:‏ قال مالك‏:‏ إذا كانت المقصورة لا تدخل إلا بإذن فالصف الأول ما خرج عنها، وإلا فلا‏.‏

الخامس‏:‏ قال في الكتاب‏:‏ إذا صلت النساء بين الرجال صحت صلاتهم، وقاله ش، وقال ح‏:‏ محاذاة المرأة تفسد الصلاة؛ لقوله عليه السلام‏:‏ أخروهن حيث أخرهن الله، فمن لم يؤخرهن فهو قائم مقاما منهيا عنه فتفسد صلاته‏.‏

وجوابه‏:‏ أنه محمول على الندب مع أن الحديث يحتمل غير الضرورة في الشهادات أو غيرها، مع أنه يقول لا تثبت فروض الصلاة إلا بطريق معلوم فقد نقض أصله، قال صاحب الطراز‏:‏ وقد غير أبو سعيد هذه المسألة باشتراط ضيق المسجد وليس شرطا، قال‏:‏ فلو قام مقام الإمام عند البيت وخلفه الرجال وصف النساء من الجهة الأخرى، قال أشهب‏:‏ لا بأس به، قال‏:‏ والأحسن أن يكن خلف الرجال‏.‏

سؤال‏:‏ شرف الصف الأول معلل بسماع القراءة وإرشاد الإمام وتوقع الاستخلاف، ومقتضى ذلك أن يكون ما يلي الإمام من الثاني والثالث أفضل من آخر الأول إذا طال‏.‏

جوابه‏:‏ أن ذلك معارض بكون الواقف في الصف الأول متصفا بكونه من السابقين، ولذلك حكى أبو عمر في التمهيد الخلاف بين العلماء هل الصف الأول الذي يلي الإمام أو السابق حيث كان‏؟‏

الفصل السابع‏:‏ في الإعادة في جماعة

وفي الموطأ عنه عليه السلام‏:‏ صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة، وعنه فيه صلاة الجماعة أفضل من صلاة أحدكم وحده بخمسة وعشرين جزءا‏.‏ وقيل في الجمع بينهما‏:‏ إن الجزء أكبر من الدرجة والتفاوت بحسب الجماعات والأئمة‏.‏ وفي مسلم صلاة مع إمام خير من خمس وعشرين صلاة يصليها وحده‏.‏ قال صاحب المنتقى، والاستذكار، والإكمال، وغيرهم‏:‏ صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بخمس وعشرين صلاة فتكون صلاة الجماعة ثمانية وعشرين صلاة واحدة بصلاة الفذ، وسبعة وعشرين لفضيلة الجماعة على رواية سبع وعشرين، وعلى ذلك تتخرج بقية الأعداد الواردة في الروايات، وجعلوا الأعداد الواردة كلها أعداد صلوات لأجزاء ثواب صلاة الفذ فإن هذه الفضيلة قيدت في بعضها بالصلوات، وأطلقت في بعضها، وسميت أجزاء ودرجات فيحمل المطلق على القيد، ويكون الجزء الوارد في بعضها جزء ثواب الجماعات لا جزء ثواب الفذ، واستقامت الروايات كلها، وعظمت المنة على العباد، وعظم الترغيب في صلاة الجماعات لم يحكوا في ذلك خلافا، وفي الجواهر‏:‏ الجماعة سنة مؤكدة لا تجب إلا في الجمعة، وحكي عن بعض أصحابنا وجوبها على الكفاية ولا تترك الجماعة إلا لعذر عام كالمطر والريح العاصف بالليل، أو الخاص كالتمريض، وخوف السلطان، أو الغريم مع الإعسار أو القصاص مع رجاء العفو، والمشهور استواء الجماعات، وقال ابن حبيب‏:‏ تفضل الجماعة بالكثرة وفضيلة الائتمام‏.‏

تمهيد‏:‏

لا نزاع أن الصلاة مع الصلحاء والعلماء والكثير من أهل الخير أفضل من غيرهم؛ لشمول الدعاء، وسرعة الإجابة، وكثرة الرحمة، وقبول الشفاعة، وإنما الخلاف في زيادة الفضيلة التي شرع الله تعالى الإعادة لأجلها فالمذهب أن تلك الفضيلة لا تزيد، وإن حصلت فضائل أخر لكن لم يدل دليل على جعلها سببا للإعادة، وابن حبيب يرى ذلك، قال‏:‏ ولا تحصل فضيلة الجماعة بأقل من ركعة يدركها مع الإمام، وهذا مما تقدم لانزاع أن مدرك التشهد له أجر، وأنه مأمور بذلك، وإنما تلك الدرجات لا تحصل إلا بركعة؛ لأن الشرع أضافها لجملة الصلاة، ومدرك أقل من ركعة ليس مدركا للصلاة؛ بقوله عليه السلام‏:‏ من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة‏.‏ قال‏:‏ ولا يعيد مع الواحد إلا أن يكون إماما‏.‏

سؤال‏:‏ الاثنان إذا كانا جماعة وجب أن يعيدا مع الواحد وإلا فيعيد من صلى مع الواحد‏؟‏

جوابه‏:‏ هما جماعة إذا كانا مفترضين والمعيد ليس بمفترض، قال‏:‏ وإذا أعاد لا يتعرض لتخصيص نية أو ينوي الفرض أو النفل، أو إكمال الفضيلة‏:‏ أربعة أقوال تتخرج عليها ثلاثة فروع‏:‏

الأول‏:‏ إذا ذكر عدم الطهارة في الأولى أجزأته الثانية عند ابن القاسم، خلافا لابن الماجشون، وقال أشهب‏:‏ إن ذكر الأولى حين دخوله في الثانية فلا تجزئه وإلا أجزأته‏.‏

الثاني‏:‏ إذا أعاد لفضل الجماعة، ثم تبين له أنه لم يصل، قال ابن القاسم‏:‏ تجزيه خلافا لأشهب‏.‏

الثالث‏:‏ إذا أحدث في أثناء الثانية، روى المصريون عدم الإعادة، وقال أشهب‏:‏ إن قصد بالثانية رفض الأولى فلا إعادة، وروي عنه الإعادة، وبه قال ابن كنانة وسحنون، واختلف في التعليل، قال ابن كنانة‏:‏ لأنه لا يدري أيتهما فرضه، وقال سحنون‏:‏ لأنها وجبت بدخوله فيها‏.‏

وفائدة الخلاف إذا كان الحدث علته، وقال ابن الماجشون‏:‏ إن أحدث بعد ركعة أعاد؛ لأنه أدرك صلاة الإمام وإلا فلا، وفي كتاب ابن سحنون إن أراد الثانية فرضه والأولى نافلة، أو أراد أن يكون الأمر إلى الله تعالى فليعد الثانية‏.‏

فروع اثنا عشر‏:‏

الأول‏:‏ قال في الكتاب‏:‏ إذا جاء المسجد وقد صلى وحده فليصل مع الناس إلا المغرب فليخرج؛ لما في الموطأ قال عليه السلام لمحجن وكان قد صلى في أهله، ولم يصل معهم‏:‏ إذا جئت فصل مع الناس وإن كنت قد صليت‏.‏ وتعاد الصلوات كلها إلا المغرب وإلا الصبح والمغرب عند ابن عمر، وإلا الصبح والعصر عند ح، وكلها عند ش نظرا لعموم الحديث، ورأى ح أن الأولى فرضه والصبح والعصر لا يتنفل بعدهما والمغرب وتر، وفي أبي داود لا وتران في ليلة‏.‏ وعندنا أن الثانية لم تتعين للنافلة، وفي أبي داود لا تصلوا صلاة في يوم مرتين‏.‏ فيجمع بين العمومين فيحمل النهي على المغرب وفي جماعتين أو حالة الانفراد، والأمر بالإعادة على ما عدا ذلك، وأما خروجه من المسجد فلأن ابن عمر كان يفعل ذلك، ولأن فيه صورة القعود عن طاعة الله تعالى حالة النهوض لها‏.‏

تفريع‏:‏ فإن أعاد المغرب، قال في الكتاب‏:‏ شفع الآخره وتكون الأولى صلاته‏.‏

وفي النوادر عن ابن وهب يسلم مع الإمام ويعيدها؛ لأنها تقع فرضا على رأي فلا تفسد برابعة فلو دخل في المغرب مع الجماعة ناسيا فذكر قبل ركعة، قال صاحب الطراز‏:‏ قال ابن حبيب يقطع؛ لأنه دخل في نافلة ممنوعة فأشبه القيام في النافلة لثالثة فإنه يرجع عنها، قال‏:‏ ويتخرج فيها قول بالإتمام على الخلاف فيمن أقيمت عليه الصلاة بعد إحرامه بها، فإن ذكر بعد الركوع، قال ابن حبيب‏:‏ يتمادى ويسلم من اثنتين، قال‏:‏ وقال الباجي‏:‏ ومقتضى أصل ابن القاسم القطع فإن أراد التخريج على ما إذا أحرم بالمغرب فأقيمت عليه بعد ركعة فإنه يقطع، فإن الفرق أن الذي أقيمت عليه إن لم يقطع فعل المكروه؛ لأنه قد نهى عن صلاتين معا وإن شفع تنفل قبل المغرب بخلاف هذه الصورة، قال‏:‏ وإن أتم المغرب مع الإمام ساهيا عن الإشفاع، فعلى قول ابن القاسم إن ذكر بالقرب رجع وأتى بركعة، وسجد للسهو فإن تطاول فلا شيء عليه‏.‏

الثاني‏:‏ قال في الكتاب‏:‏ إذا سمع الإقامة في المسجد وقد صلى في بيته لا يجب عليه الدخول معهم‏.‏ وقال ابن حنبل‏:‏ الجماعة فرض على الأعيان وليست شرطا في صحة الصلاة، وقال بعض الشفعوية‏:‏ فرض كفاية لما في الصحاح أنه - عليه السلام - فقد ناسا في بعض الصلوات فقال‏:‏ لقد هممت أن آمر رجلا فيصلي بالناس، ثم أخالف إلى رجال يتخلفون عنها فآمر رجالا فيحرقون عليهم بحزم الحطب بيوتهم‏.‏ وهو محمول على صدر الإسلام حيث كان النفاق والتقاعد عن الدين كثيرا، وأيضا فالحديث لنا فإنه - عليه السلام - أخبر أنه هم بترك الجماعة وهو لا يهم بترك الواجب، فإذا صلى وحده، ثم أتى المسجد فوجدهم في تلك الصلاة، المشهور الندب للدخول معهم‏.‏ وروي عنه الكراهة فلو وجدهم في التشهد فلا يدخل؛ لأنه يصير معيدا فذا، فإن اعتقدهم في الأول فسلموا، قال ابن القاسم‏:‏ يسلم ولا شيء عليه، قال‏:‏ والأمر بالجماعة لم يأت على العموم، وإنما جاء فيمن حضر الجماعة‏.‏

الثالث‏:‏ قال صاحب الطراز‏:‏ من صلى العشاء في بيته وأوتر فالمذهب أنه لا يعيدها لأجل الوتر، فإن أعادها، قال سحنون‏:‏ يعيد الوتر، وقال يحى بن عمر‏:‏ لا يعيد؛ لأنه لا وتران في ليلة‏.‏

الرابع‏:‏ إذا أمرناه بإعادة الصبح والعصر، قال‏:‏ ليس له أن يتنفل بينهما قبل أن يعيد؛ لأن التنفل بعدهما مكروه‏.‏

الخامس‏:‏ قال في الكتاب‏:‏ من صلى مع الواحد لا يعيد في جماعة، وقاله الحنفية، وقال ابن حنبل‏:‏ يعيد، وللشافعية ثلاثة أقوال‏:‏ مثل قولنا يعيد ما عدا الصبح والعصر، يعيد الجميع لنا قوله عليه السلام‏:‏ لا تصل صلاة في يوم مرتين‏.‏ قال أبو الطاهر‏:‏ واختلف الاشياخ في صورتين إذا صلى مع صبي أو مع أهله‏:‏ هل يعيد أم لا نظرا إلى تنفل الأول‏؟‏ ولعموم قوله عليه السلام‏:‏ صل وإن صليت في أهلك في الثانية‏.‏

فرع‏:‏

قال صاحب الطراز‏:‏ قال ابن حبيب‏:‏ يعيد من صلى مع الواحد في المسجد الحرام ومسجد المدينة والمقدس؛ لفضل تلك البقاع وظاهر المذهب خلافه، وإنما الصلاة بها فرادى أفضل من الجماعة في غيرها، وألزمه اللخمي الإعادة منفردا‏.‏

السادس‏:‏ لو أقيمت عليه تلك الصلاة بعد أن صلى ركعة منها، قال في الكتاب‏:‏ يضيف إليها ركعة ويسلم ويعيد مع الإمام، قال صاحب الطراز‏:‏ إلا أن يخاف أن تفوته ركعة مع الإمام فيقطع بسلام فإن أقيمت عليه بعد ثلاث، قال في الكتاب‏:‏ يكملها ويدخل معه ولا يجعل الأولى نافلة، فإن أقيمت قبل الركوع قطع ودخل معه، وقال ش‏:‏ يدخل من غير قطع ويرد عليه أنه أحرم قبل إمامه، قال صاحب الطراز‏:‏ بخلاف من أحرم بنافلة فإنه يتمها، والفرق أنه في الأولى قطعها؛ ليكملها وهاهنا القطع لغيرها فكان الجمع بينهما أولى، وأيضا فإن النافلة إذا قطعها لا يعود إليها بخلاف الفريضة، فإن أقيمت عليه المغرب، قال في الكتاب‏:‏ يقطع وإن صلى ركعة، وقال ابن القاسم في المجموعة‏:‏ يضيف إليها أخرى، وجه الأول عدم التنفيل قبل المغرب، وجه الثاني انعقاد الصلاة، قال صاحب الطراز‏:‏ وكذلك لو أقيمت بعد ركعة قطع على مذهب الكتاب، فإن أقيمت بعد ثلاث اتمها ولا يدخل معهم‏.‏

وانعقاد الثالثة بتمكن اليدين من الركعتين عند ابن القاسم، وبالرفع عند أشهب‏.‏

السابع‏:‏ قال في الكتاب‏:‏ من صلى وحده فأم غيره فيها أعاد المأموم؛ لأنه لا يدري أيتهما فرضه، وقال ح وش وابن حنبل‏:‏ الثانية نافلة وهو القياس لبراءة الذمة بالأولى‏.‏ لنا ما في الموطأ أن رجلا سأل ابن عمر عن ذلك فقال‏:‏ أو ذلك إليك‏؟‏ إنما ذلك إلى الله‏.‏

فرع مرتب‏:‏

قال صاحب الطراز‏:‏ إن أمهم وقلنا يعيد المأموم أبدا ففي الكتاب لا ينبغي أن يعيدوا في جماعة؛ لأن الأولى قد تكون فرضهم ولا جماعتان في يوم، وهذا الفرع يشكل على ما في الجواهر أنه لا يعيد مع الواحد فإن الواحد هاهنا متنفل وقد حصلت الجماعة وإن وجبت الإعادة، وثم المعيد متنفل ولا إعادة فكانت أقرب بحصول الجماعة‏.‏

الثامن‏:‏ لو ذكر المأموم سجدة من إحدى الصلاتين، قال صاحب الطراز‏:‏ لا يعيد، وقال عبد الملك‏:‏ يعيد؛ لأن اعتقاده لم يخلص للفرض‏.‏

التاسع‏:‏ قال في الكتاب‏:‏ إذا صلى الإمام وحده، صلى أهل المسجد بعده أفذاذا، قال ابن القاسم‏:‏ ولا يعيد في جماعة‏.‏ وجهه أن المسجد له حق إقامة الصلاة فيه؛ لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه‏)‏‏.‏ وهذا الحق بيد الإمام وليس لغيره إقامته، فإذا أذن وأقام الصلاة فقد أدى ذلك الحق فهو حينئذ في حكم الجماعة، قال صاحب الطراز‏:‏ فلو أذن القوم قبله وصلوا كان له أن يؤذن بعدهم ويصلي؛ لأنه صاحب الحق وهم معتدون، ولو غاب إمامهم فجمع بهم غيره، قال‏:‏ قال مالك‏:‏ إن كان بإذن الإمام لا تعاد فيه جماعة، وإلا أعيدت، وأما كونهم يصلون أفذاذا فقال به ح وش، وأجازه ابن حنبل محتجا بما روى عنه - عليه السلام - أنه رأى رجلا يصلي وحده فقال‏:‏ ألا رجلا يتصدق على هذا فيصلي معه‏؟‏ وجوابه لعله كان لا يحسن الصلاة فأمر من يعلمه كيف يصلي، أو كان في نفل أو خارج المسجد، ويروى عن الحسن البصري كان أصحابه - عليه السلام - إذا فاتتهم الجماعة صلوا في المسجد فرادى، قال صاحب الطراز‏:‏ ويتنزل المكان الذي جرت العادة بالجمع فيه، وإن لم يكن مسجدا منزلة المسجد، وقاله مالك في العتبية، ورخص في المساجد التي يجمع فيها بعض الصلوات‏.‏

العاشر‏:‏ في الجواهر ليس للمأموم أن يصلي فذا ولا بالعكس، فإن اضطر كمريض اقتدى بمريض فصح، قال سحنون‏:‏ يتم لنفسه كما يصير الإمام بالعذر مأموما، وقال يحيى بن عمر‏:‏ يتمادى؛ لأنه دخل بما يجوز له‏.‏

الحادي عشر‏:‏ قال أبو الطاهر‏:‏ لا يجلس أحد والإمام يصلي، ولا يركع ركعتي الفجر بعد الإقامة في المسجد ولا في رحابه ولا في أفنيته المتصلة به‏.‏

الثاني عشر‏:‏ قال‏:‏ لا يجوز تعدي المسجد إلى غيره إلا أن يكون إمامه لا يصح الاقتداء به، فإن فعل فلا تبطل صلاته عندنا‏.‏

الفصل الثامن‏:‏ في سبق الإمام المأموم وبالعكس

وفيه فروع تسعة‏:‏

الأول‏:‏ قال في الكتاب‏:‏ إذا جاء والإمام راكع فليركع إن كان قريبا وخشي رفع رأسه من الركوع ويدب إلى الصف، وقال في العتبية‏:‏ القرب نحو ثلاثة صفوف، وقال الشافعي‏:‏ إن دب ثلاث خطوات بطلت صلاته، قال صاحب الطراز‏:‏ وظاهر قوله إن كان قريبا أنه إن بعد لا يركع، وإن خشي فوات الركعة حتى يأتي الصف وقد نص عليه في المجموعة، وروى عنه خلافه قال‏:‏ ويحتمل أن يكون خلافا أو يحمل الأول على أول الصلاة؛ لأن إدراك فضيلة الجماعة ممكن، والثاني على آخر ركعة، قال أبو الطاهر‏:‏ وقيل لا يركع مطلقا حتى يدخل الصف‏.‏

وإذا قلنا‏:‏ يدب فهل وهو راكع حتى يرفع وهو في الصف أو حتى يرفع‏؟‏ لأن فعله ذلك في الركوع فشاق قولان، وفي البخاري عن أبي بكرة أنه انتهى إليه - عليه السلام - وهو راكع فركع قبل أن يصل الصف فذكر ذلك للنبي - عليه السلام - فقال‏:‏ زادك الله حرصا ولا تعد‏.‏

الثاني‏:‏ قال‏:‏ في المجموعة إدراك الركعة قبل رفع الإمام، قال صاحب الطراز‏:‏ فإن شك في ذلك لا يحرم، فإن أحرم وركع، ثم شك فلا يعتد بها عند مالك ويتمادى، ويعيد عند ابن الماجشون احتياطا، والأول أصوب قياسا على الشك في عدد الركعات وغيرها‏.‏

الثالث‏:‏ إذا أحس الإمام بداخل لا ينتظره عند مالك وح، قال المازري‏:‏ وقال سحنون‏:‏ ينتظره ولـ ش قولان، لنا لو كان ذلك مشروعا؛ لصرف نفوس المصلين إلى انتظار الداخلين فيذهب إقبالهم على صلاتهم وأدبهم مع ربهم، وقياسا على الفذ إذا أحس بمن يعيد فضيلة الجماعة، وقد سلمه ش احتجوا بالقياس على صلاة الخوف بأنها إعانة على قربة فتكون قربة كتعليم العلم، وإقراء القرآن وتبليغ الشرائع وليس هذا من باب الاشراك في الأعمال؛ لأن ذلك لأغراض دنيوية ورد عليهم أنه تفويت لقربتين القيام والفاتحة في الركعة التي يقضيها المسبوق، أجابوا بأنه معارض بأن السجود والجلوس حينئذ يكون نفلا، وعلى ما ذكرناه يكون فرضا والفرض أفضل من النفل، قلنا بل يأتي بهما بعد سلام الإمام فرضا ومعه نفلا فيكون الجميع‏.‏

الرابع‏:‏ قال في الكتاب‏:‏ إذا أدركه في السجدة الأخيرة يدخل معه ولا يسجد ما فاته ولا يقضيه؛ لما في أبي داود قال عليه السلام‏:‏ إذا جئتم إلى الصلاة ونحن سجود فاسجدوا ولا تعدوها شيئا، ومن أدرك الركعة فقد أدرك الصلاة‏.‏ وقال في العتبية‏:‏ يرفق في مشيه حتى يرفع ملاحظه ليقي الزيادة في الصلاة‏.‏

الخامس‏:‏ قال صاحب الطراز‏:‏ يستحب للمأموم ألا يشرع فيما عدا الإحرام والسلام حتى يشرع الإمام، وقبله منهي عنه فإن رفع قبل أن يظهر الإمام راكعا أو ساجدا فسدت صلاته، وإلا أجزأه لحصول الارتباط بذلك الجزء، وفي مسلم عنه عليه السلام‏:‏ أما يخشى أحدكم إذا رفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار‏.‏ ولم يذكر إعادة، ويرجع ولا ينتظر رفع الإمام، قاله مالك، وقال أيضا هو وأشهب‏:‏ لا يرجع؛ لأن الركوع والسجود وقد انعقد فتكراره زيادة في الصلاة، وقال سحنون‏:‏ يرجع ويبقى بعد السلام بقدر ما تقدمه الإمام، وروى ابن حبيب له أن يفعل مع الإمام ما عدا الإحرام والسلام والقيام من اثنتين، وإن لم يرجع إلى الإمام فصلاته صحيحة على المشهور‏.‏

السادس‏:‏ قال ابن القاسم‏:‏ في الكتاب إذا نعس خلف الإمام عن ركوع الأولى فإن طمع في السجود سجد ويلغيها، وإنما يتبع الإمام فيما عدا الأولى، وقاله ح وش، قال صاحب الطراز‏:‏ وقاله مالك في الغافل والمضغوط، وقال أشهب، وابن وهب‏:‏ يركع ويتبعه في الأولى وغيرها، ما لم يرفع من السجود، قال أبو الطاهر‏:‏ وقيل يتبعه ما لم يعقد الثانية، وسبب الخلاف‏:‏ هل القيام فرض على المأمور لا يسقطه إلا عذر السبق فيكون الشروع فيه مانعا من الاتباع أو ليس بفرض قياسا على المسبوق فلا يكون مانعا، وإذا قلنا بالسجود فقيل السجدتان، وقيل الواحدة مانعة؛ لأنها فرض صحيح، وإذا قلنا ما لم يعقد الركعة فهل عقدها بوضع اليدين أو الرفع قولان، وقيل لا يتلافى في الأولى ولا في غيرها؛ لأن المشروع عقيبه وهذا قد فات‏.‏ ووجه الأول قوله عليه السلام‏:‏ ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا‏.‏ وقد فاته الركوع فيجب عليه قضاؤه؛ لأنه يترك متابعة الإمام في واجب، وقياسا على المسبوق، ووجه الثاني ما في مسلم أنه - عليه السلام - صفهم في صلاة الخوف صفين فصلى بالذين يلونه ركعة، ثم قام فلم يزل قائما حتى صلى الذين خلفه ركعة، ثم تقدموا وتأخر الذين كانوا قدامهم فصلى بهم ركعة، ثم قعد حتى صلى الذين تخلفوا ركعة، ثم سلم وهذا أصل فيمن أحرم مع الإمام وعاقه عذر عن الركوع حتى ركع فإنه يركع ويتبعه، قال‏:‏ فلو ركع في الأولى ونعس عن سجودها فعن مالك وش أنه كالركوع، وعن مالك أيضا وأشهب وح الفرق وجه الأول أنها إنما تكمل بسجودها‏.‏ وجه الثاني ما في مسلم أنه - عليه السلام - صلى بعسفان صلاة الخوف والعدو تجاههم فأحرم بالصفين، فلما ركعوا سجد بأحدهما، ولم يسجد الثاني حتى قام - عليه السلام - إلى الثانية وهو أصل في كل من عاقه عذر بعد الركوع عن السجود، قال صاحب الطراز‏:‏ وفرق ابن عبد الحكم بين الجمعة وغيرها لتأكد الجماعة في الجمعة، قال‏:‏ فلو نعس في الرابعة عن الركوع لا يكون السلام مانعا عند ابن القاسم وأشهب، وقال ابن القاسم‏:‏ في الكتاب إذا زوحم يوم الجمعة عن السجود في الأولى حتى ركع الإمام في الثانية، وعنه في الثانية حتى سلم يصلي ظهرا أربعا، وقال ابن حبيب‏:‏ يتبعه ولو أدرك الأولى وزوحم عن سجود الثانية حتى سلم الإمام، فقيل يستأنف الركعة بناء على أن السلام بمنزلة الركعة، قال‏:‏ وحيث قلنا يبني الناعس، فسوى ابن القاسم بن المزاحم وح وش ولابن القاسم أيضا لا يبني في المزاحم؛ لأنه صنع للآدمي‏.‏

السابع‏:‏ قال في الكتاب‏:‏ إذا أدرك مع الإمام ثلاثا قام بغير تكبير؛ لأن الإمام حبسه وليس له بجلوس، بخلاف ما لو أدرك اثنتين، وضابط ذلك أن من أدرك فردا قام بغير تكبير أو زوجا قام بتكبير، قال صاحب الطراز‏:‏ قال ابن حبيب‏:‏ إذا أدرك وترا قام بتكبير؛ لأنه متنفل وجه المذهب أنه زيادة على تكبير الصلاة فيفتقر إلى نص، قال‏:‏ وقال مالك في العتبية‏:‏ يقوم بغير تكبير في الشفع بناء على أنه قاض للماضيتين، والذي شرع في أولهما تكبيرة الإحرام وقد تقدمت فإن أدركه في الجلوس الأخير، قال في الكتاب‏:‏ يقوم بتكبير خلافا للشافعية محتجين بأنه قد كبر قائما ولم يشرع في أول الصلاة غير تكبيرة، جوابهم أنه الآن كما شرع في أول صلاته ولم يكبر فيكبر، قال صاحب الطراز‏:‏ ويتخرج على قول مالك في العتبية أنه لا يكبر إذا أدرك شفعا أنه لا يكبر هاهنا، وقال مالك في المختصر‏:‏ إن وجده جالسا كبر للإحرام فقط أو راكعا أو ساجدا كبر للإحرام والركوع والسجود، وقاله ش في الجلوس، واختلف أصحابنا في الركوع والسجود، والفرق أن التكبير مشروع للوصول في الركوع والسجود والخروج منهما فمن دخل مع الإمام فيهما كبر لهما، وأما القيام والجلوس فليس لهما تكبير فالداخل فيهما لا يكبر، وإذا جلس معه يتشهد، قاله صاحب الطراز خلافا لبعض الشافعية لقوله عليه السلام‏:‏ ما أدركتم فصلوا‏.‏ قال‏:‏ فلو وجده في جلوس الصبح يحرم ويجلس إلا أن يكون لم يركع الفجر فيجلس ولا يحرم، فإذا سلم ركع الفجر وأحرم‏.‏

الثامن‏:‏ قال في الكتاب‏:‏ إذا أدرك الأخيرة من الرباعية قرأ فيها بأم القرآن وحدها، وفي التي بعد سلام الإمام بالحمد وسورة ويجلس، ثم بالحمد وسورة، ثم بالحمد وحدها ويقضي ما فاته جهرا إن كان جهرا، واتفق أرباب المذهب على أن من فاته ركعتان قضاهما بالحمد وسورة، وقال صاحب النوادر‏:‏ ولا خلاف بين مالك وأصحابه أن القاضي إنما يفارق الباني في القراءة فقط، وفي الجواهر اختلف المتأخرون في مقتضى المذهب على ثلاث طرق طريقة أبي محمد وجل المتأخرين أن المذهب على قول واحد في البناء في الأفعال، والقضاء في الأقوال وطريقة القرويين أن المذهب على قولين في القراءة خاصة، وعلى قول واحد في الجلوس، وطريقة اللخمي أن المذهب على ثلاثة أقوال‏:‏ بانٍ في الأفعال والأقوال، وقاض فيهما، وقاض في القراءة فقط‏.‏

تنبيه‏:‏

يقال أفعال الصلاة كلها واجبة إلا ثلاثة‏:‏ رفع اليدين مع تكبير الإحرام، والجلسة الوسطى، والتيامن في السلام، وأقوال الصلاة كلها ليست بواجبة إلا ثلاثة‏:‏ تكبيرة الإحرام، وقراءة الحمد، والسلام، ولما اختلفت روايات الحديث في القضاء والبناء جمع بين الروايتين بتخصيص القضاء بالأقوال؛ لضعفها بكثرة عدم الوجوب فيها، قال صاحب الطراز‏:‏ ولا يقنت المسبوق في قضاء الصبح على ما في الكتاب؛ لأنه قاض لما فاته وعلى القول الآخر يقنت، قال‏:‏ وقد قال في الكتاب‏:‏ إذا أدرك ركعة من ركعات المغرب صارت صلاته جلوسا كلها‏.‏

وهذا لا خلاف، فيه وبه استدل أصحابنا والشافعية على الحنفية حيث جعلوه إذا أدرك الرابعة جعلها آخر صلاته ويبتدئ بالثالثة القضاء بغير قراءة؛ لأن القراءة لا تجب عنده في الآخرتين، ثم بالأولى بالقراءة وأما الرباعية فلا تصير جلوسا كلها إذا فاتته الأولى أدرك الثانية وفاته الباقي برعاف، أو أدرك المقيم خلف المسافر ركعة، قال ابن حبيب وابن المواز‏:‏ يأتي بالثانية ويجلس وبالثالثة يجلس؛ لأن منها يقوم إلى قضاء الأولى عندهما، وعند سحنون لا يجلس‏.‏

التاسع‏:‏ قال ابن القاسم في العتبية‏:‏ إذا استفهم الإمام بركعتين، فأفهم بعضهم فيهما بعد سلامه أحب إلي أن يعيدوا بعد الوقت، وكذلك إذا كانوا مقيمين ومسافرين فقدم المقيمون أحدهم‏.‏

الفصل التاسع‏:‏ في الاستخلاف

وهو جائز عندنا وعند ابن حنبل وللشافعي قولان، وفرق ح بين طرو الحدث عليه فيستخلف، وبين تذكره فقال‏:‏ إنما يستخلف من أحرم ظاهرا‏.‏ لنا ما رواه مالك أنه - عليه السلام - ذهب إلى بني عمرو بن عوف؛ ليصلح بينهم فجاءت الصلاة فجاء المؤذن إلى أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - فقال‏:‏ أتصلي بالناس فأقيم‏؟‏ قال‏:‏ نعم فصلى أبو بكر فجاء النبي - عليه السلام - والناس في الصلاة فتخلص حتى وقف في الصف وساق الحديث إلى أن قال‏:‏ ثم استأخر أبو بكر حتى استوى في الصف، وتقدم - عليه السلام - فصلى الحديث‏.‏ فقد رجع - عليه السلام - إماما بعد أبي بكر، وقياسا على ولاية القضاء وغيرها بجامع تحصيل المصلحة ورفع المنازعة، حجة المنع ما في الموطأ أنه - عليه السلام - صلى بأصحابه، فلما أحرم بالصلاة ذكر أنه جنب فقال لأصحابه‏:‏ كما أنتم ومضى ورجع ورأسه يقطر ماء ولم يستخلف‏.‏ جوابه أنه دليل الجواز ونحن نقول به وهذا الحديث حجة على أبي حنيفة في أن تقدم الجنابة لم يمنع الاقتداء به، وإذا صح الاقتداء في الحالتين صح الاستخلاف فيهما قياسا لإحداهما على الأخرى، والنظر في محله وصفته وصفة المستخلف وفعله، فهي أربعة‏:‏

الأول‏:‏ محله ففي الجواهر هو إذا طرأ على الإمام ما يمنعه الإمامة ويبطل الصلاة فالأول كتقصيره عن فرض فإنه يصلي مأموما خلف النائب، قال المازري‏:‏ ولو حصر عن بعض السورة بعد الحمد لم يكن له عندي الاستخلاف لصحة الصلاة، والثاني كغلبة الحدث، أو تذكره، أو الرعاف الذي يقطع لأجله‏.‏ قال صاحب الطراز‏:‏ وأحوال الرعاف ثلاثة، إن كان غير قاطر ولا سائل فخرج أفسد عليهم، وإن كثر الدم فتمادى أفسد عليهم، وإن سال ولم يكثر جاز الخروج والبناء‏.‏

الثاني‏:‏ صفة الاستخلاف ففي الجواهر‏:‏ الأولى أن يستخلف بالإشارة فإن استخلف بالكلام فلا شيء عليه؛ لأنه بالخروج خرج عن كونه إماما وكذلك قال في الكتاب‏:‏ إن تكلم فيما لا يبني عليه كالحدث فلا يضرهم، أو فيما يبني عليه أبطل على نفسه‏.‏ قال صاحب الطراز‏:‏ يريد ولا يضرهم‏.‏ قال‏:‏ وقال ابن حبيب‏:‏ إن استخلف بالكلام جهلا أو عمدا أبطل عليه وعليهم، فإن كان ساهيا فعليه فقط وبهذا قال من لقيته من أصحاب مالك، وقال اللخمي‏:‏

للمأمومين استخلاف غير من استخلفه الإمام؛ لأنهم إنما التزموا إتباعه، ولذلك لا يجب القبول على المستخلف قال في الكتاب‏:‏ إن لم يستخلف يقدموا رجلا يصلي بهم، فإن قدمت كل طائفة إماما، قال أشهب في العتبية‏:‏ يجزيهم، وقد أخطأت الثانية، كقوم دخلوا على قوم يصلون فصلوا بإمام اساؤوا ويجزنهم، قال ابن القاسم في الكتاب‏:‏ فإن صلوا وحدانا جاز ولا يعجبني، قال صاحب الطراز‏:‏ قال ابن عبد الحكم‏:‏ من ابتدأ الصلاة بإمام فأتمها فذا أو أفذاذا فأتمها بإمام أعاد، والأول بين فإن الجماعة فضيلة لا شرط، وألحقها ابن عبد الحكم بالنافلة فتعين بالشروع، وجوابه أن الفضيلة التي التزموها فاتت بفوات سببها كالنافلة إذا فاتت بغير تفريط، قال‏:‏ فلو أشار إليهم عند الخروج أن امكثوا فظاهر المذهب جواز الاستخلاف لهم، وقال ابن نافع‏:‏ ليس لهم ذلك للحديث الوارد في خروجه - عليه السلام - لما ذكر الجنابة، والحديث غير متفق عليه فروى مالك أنه - عليه السلام - كبر وكبروا، وغيره لم يذكر ذلك، وروى أبو داود أنه - عليه السلام - قام في مصلاه فانتظر أن يكبر فانصرف، ثم قال‏:‏ كما أنتم، قال مالك‏:‏ وهذا الحديث خاص به عليه السلام؛ لأنه - عليه السلام - أوجب تقدم تكبيرة الإمام وهي هاهنا متأخرة، وفي الجواهر إن صلوا وحدانا في الجمعة بطلت على المشهور سواء عقدوا معه ركعة أم لا‏.‏ قال صاحب الطراز‏:‏ وينبغي له إذا أحدث أن يضع يده على أنفه ويخرج ولا يتكلم يوهم أنه رعف، وتنقطع عنه الظنون، وهو مروي عنه - عليه السلام - في مسلم يستخلف من الصف الذي يليه لقربه من التقدم إلى مقام الإمام، ولذلك قال عليه السلام‏:‏ ليلني منكم أولو الأحلام والنهى‏.‏ فإن قال‏:‏ تقدم يا فلان، قال‏:‏ نعم ساهيا، قال ابن حبيب‏:‏ سجد بعد السلام، قال‏:‏ فإن قيل ينبغي ألا يسجدوا معه؛ لأنه سهو قبل الاقتداء قلنا‏:‏ إذا وقع الاقتداء اتصل بالأول كالمسبوق في سهو المتقدم عليه، فإن تقدم غيرالمستخلف فصلى المقدم خلفه، قال سحنون‏:‏ يجزيهم؛ لأن المقدم لا يكون إماما حتى يشرع في عمل الصلاة، ويتبع، ولو قال‏:‏ تقدم يا فلان وهو اسم لاثنين فتقدم غير المراد أو تقدما بطائفتين أجزأ على قول سحنون، إلا في الجمعة إذا تقدما؛ لأنه لا جمعتان في موضع، ويتعين أسبقهما فإن استويا لم يجز واحدا منهما فإن استخلف، ثم عاد بعد زوال العذر لم يتبع وله إخراجه، فإن أخرجه قبل أن يحرم لم يجز وتفسد صلاتهم إن اتبعوه، وصلاته إن أدى دخوله إلى الجلوس بعد ركعة ونحوه مما لم يجز للمنفرد، وإن أخرجه بعد الإحرام فكرهه ابن القاسم وينبغي إذا تمت صلاته أن يشير إليهم حتى يقضي لنفسه، ثم يسلم ويعضده حديث أبي بكر - رضي الله عنه - وأما لو أحدث الثاني فقدم الأول جاز، وقال يحيى بن عمر‏:‏ لا يجوز وفعله - عليه السلام - مع أبي بكر خاص به، قال صاحب الطراز‏:‏ يجوز؛ لأنه لابد أن يجدد نية الإمامة فهو كسائر الجماعة، ولهذا يلحقه سهو خليفته الكائن قبل رجوعه ولو أخرج خليفته على الكراهة في ذلك فله رده وأن يخرج لترك المكروه، كما فعل الصديق - رضي الله عنه - ولو أخرجه وبنى على صلاة نفسه دون صلاة خليفته، قال ابن القاسم‏:‏ عليهم الإعادة اتبعوه أم لا؛ لأنهم تركوا اتباع إمامهم من غير استخلاف‏.‏

الثالث‏:‏ صفة المستخلف، وفي الجواهر لابد أن يكون تصح إمامته، وانسحب عليه حكم الإمام قبل طرو العذر وما يفعله بعد الأول يعتد به من صلاة نفسه، فأما من أحرم بعد العذر إن استخلفه على ركعة أو ثلاث بطلت صلاته؛ لجلوسه في غير موضع الجلوس وهو أحرم بالصلاة لنفسه، وإن استخلفه على ركعتين فصلاته تامة، وقال ابن حبيب‏:‏ إن قدمه في أول ركعة فصلاته صحيحة وتبطل صلاتهم، وإن كان بعد ركعة فأكثر يعمل على بناء صلاة الأول بطلت صلاته وصلاتهم، قال صاحب الطراز‏:‏ وظاهر المذهب أنه لا يصير خليفة حتى يتبع، فلو أحدث عامدا أو تكلم عامدا بعد قوله يا فلان صل بالناس أو قبل الاتباع لم تفسد عليهم؛ لأن الحاصل قبل ذلك إنما هو اعتقاد الاتباع فليس بإمام، قال ابن القاسم في العتبية‏:‏ إذا سأل بعد الاستخلاف كيف يصنع بطلت صلاته وصلاتهم، ومن دخل معه بعد الرفع تبطل صلاتهم إن استخلف، واتبعوه عند ابن القاسم؛ لأنه متنفل، وقال يحيى بن عمر‏:‏ تجزيهم؛ لأنها تعينت عليه حتى لو تركها فسدت صلاته‏.‏ وفي الجواهر إذا أم مسافر بالفريقين فليستخلف مسافرا؛ لأن صلاة المقيم خلف المسافر أخف من المسافر خلف المقيم، فإن قدم مقيما لم يقبل وقدم مسافرا فإن قبل جاهلا وأتم صلاة الإمام سلم المسافرون أنفسهم، وقيل يستخلفون مسافرا يسلم بهم، وقيل يثبتون حتى يسلموا بسلامه، قال ابن القاسم في العتبية‏:‏ إذا صلى برجل وامرأتين فأحدث، ولم يستخلف فنوى الرجل الإمامة بالمرأتين صحت صلاتهم‏.‏

الرابع‏:‏ في فعل المستخلف وفيه فروع أربعة‏:‏

الأول‏:‏ قال في الكتاب‏:‏ إذا قدم من فاتته ركعة فصلاها جلس؛ لأنها ثانية الإمام، ويجتزئ بما قرأ الإمام، قال صاحب الطراز‏:‏ هذا حقيقة التبعية، ولأنه بإحرامه خلفه وجب عليه اتباع ما أدرك من غير استخلاف فكيف إذا استخلف حتى لو أحدث الإمام فخرج وليس معه غيره، جرى على ترتيب ما كان دخل عليه وأخر قضاء ما فاته حتى يفرغ مما أدركه، وفي بنائه على القراءة ثلاثة أقوال، ثالثها يفرق بين أن يستخلف فلا يبني، وبين أن يتقدم بنفسه فيبني، والمدرك أن القراءة هل يجوز أن يكون فيها إماما ومأموما أم لا‏؟‏ وأنه إذا استخلف انتفى التناقض لطريان السبب فإن ابتدأ الصلاة بإحرام عمدا، قال سحنون‏:‏ بطلت صلاته وصلاتهم؛ لتعديه في إبطال العمل واتباعهم له فإنه بمجرد رفضه، خرج عن كونه إماما، وإن كانا سهوا وكثرت الزيادة، فكذلك وإن قلت سجد للسهو وصحت، فإن قطع بسلام أو كلام وابتدأ فإن اتبعوه بطلت عليهم، وفي الكتاب إذا أتم صلاة الأول يثبتون حتى تكمل صلاته ويسلم بهم، وقال الشافعي‏:‏ يسلمون، قال‏:‏ ويتخرج على مسألة المسافرين مع الخليفة المقيم أن هؤلاء يسلمون، وفي الجواهر وقيل يستخلفون من يسلم بهم منهم فإن كان فيهم مسبوق، قال أبو الحسن اللخمي‏:‏ هو مخير بين أربعة أحوال‏:‏ يصلي وينصرف قياسا على الطائفة الأولى في صلاة الخوف، أو يستخلف من يسلم بهم، أو ينتظر الإمام فيسلم معه؛ لأن كليهما قاض والسلامان واحد، أو ينتظر فراغ الإمام من قضائه، ثم يقضي‏.‏

الثاني‏:‏ في الكتاب إذا أحدث وهو راكع يرفع بهم الثاني، وقال في المجموعة‏:‏ في السجود مثله، وقال ابن القاسم في العتبية‏:‏ يدب الثاني راكعا، وقال‏:‏ يرفع فيها رأسه ويستخلف؛ لأن بقاءه على تلك الحال يؤدي إلى الاستدامة في الفاسد وهو أهون له في الاستخلاف، وفي الجواهر لا يكبر؛ لئلا يوهم فإن اقتدوا به في الرفع، قال أبو الطاهر‏:‏ يتخرج ذلك على الخلاف في الحركة إلى الأركان هل هي مقصودة فتبطل أو غير مقصودة فلا تبطل‏؟‏ وقال بعض المتأخرين‏:‏ بل هم كالرافعين قبل إمامهم فيرجعون إلى الركوع مع الثاني، وفي النوادر يستخلف قبل الرفع ليتصل الاستخلاف بالفعل الصحيح‏.‏

الثالث‏:‏ قال صاحب الطراز‏:‏ لو استخلفه على ركعتين فصلاهما فأخبره بترك سجدة من إحدى الأوليين، قال سحنون‏:‏ يقوم الثاني بالقوم إن كانوا على شك يصلي بهم ركعة بالحمد فقط؛ لأنها بناء، ثم يجلس ويأتي بركعة قضاء بالحمد وسورة ويسجدون قبل السلام معه، وقيل يسجد بهم قبل ركعة القضاء فإن تيقن القوم الإتمام، قال ابن عبدوس‏:‏ لا يتبعونه في الأولى، وعلى مذهب ابن وهب يأتي بركعة بالحمد وسورة ويسجد بهم بعد السلام على قاعدته فيمن ذكر في آخر صلاته خللا في أولها، ولو شك الأول في السجدة، قال سحنون‏:‏ يقرأ بالحمد وسورة لاحتمال الصحة فتكون هذه الركعة قضاء وكذلك الثانية ويتشهد في الأولى؛ لاحتمال كونها بناء ورابعة الأول ويصلونها معه إن شكوا ويسجدون قبل السلام، قال‏:‏ والقياس فيما قاله أن يبني المستخلف إذا شك الأول على أن الفائت ركعة؛ لأن الأول لو كان باقيا حينئذ احتسب بركعة فقط فلو لم يخبره بالركعة حتى فرغ، قال سحنون‏:‏ صلاة المستخلف تامة ويسجد بهم قبل السلام؛ لأنه قام في موضع الجلوس وترك السورة، فإن ثالثته ثانية الأول فإن سلموا أتوا بركعة بالحمد فقط، وسجدوا للسهو خوفا من زيادتها، وإن تيقنوا ترك السجدة لم يسجدوا فلو أنه معه من أول الصلاة فاستخلفه على اثنتين، ثم ذكر السجدة فإن شك معهم صلى بهم ركعة بالحمد فقط وسجد بهم قبل السلام، وإن لم يشكوا صحت صلاتهم فلو ذكر الثاني سجدة لا يدري هل هي مما صلى مع الأول أو مما قضي‏؟‏ قال سحنون‏:‏ سجد سجدة وتشهد وأتى بركعتين بالحمد فقط، وسجد قبل السلام؛ لأنه نقص وزاد ويعيد الصلاة لكثرة السهو، وكذلك قال مالك فيمن شك في آخر صلاته في سجدتين من ركعتين ولو أحرم معه في التشهد، فلما قضى ركعة ذكر الأول سجدة من الأولى، فإن رجع في وقت يجوز فيه البناء بطلت ركعته ويصلي بالقوم ركعة بالحمد فقط، ويقضى لنفسه ثلاث ركعات ويسجد بهم قبل السلام، وإن لم يجز فيه البناء الثاني لم يركع فبنى على ركعته وسجد قبل السلام، وإن استخلفه على ركعتين فلما صلاهما قال الأول‏:‏ تركت سجدتين لا أدري من ركعة أو ركعتين فإنه يصلي ركعتين ولا يقوموا في الرابعة معه؛ لاحتمال كونهما من ركعة فيصير في الرابعة قاضيا لا يؤتم به، ولا يرجع الثاني إلى الجلوس ويسجد بهم قبل السلام، ثم يأتون بركعة بعد سلامه ويسلمون، ويسأل الأول فإن ذكر أنهما من ركعة أجزتهم فإن كانتا من ركعتين أعادوا؛ لتركهم اتباع الثاني، ولو اتبعوه وأعادوا الصلاة لكان حسنا، ولو لم يرجع الأول حتى يجلس في آخر ركعتي القضاء سجد بهم قبل السلام وأتى بعده بركعتين بالحمد فقط، ولو رجع بعد أن صلى بهم ركعة وقام فذكر له سجدة من إحدى ركعتيه صارت الثالثة ثانية وهو يجلس فيها فيأتي بركعة بناء، ثم يتشهد ويسجد بهم قبل السلام، ثم يأتي بركعة قضاء بالحمد وسورة، ولوقال له ذلك حين قدمه سجد بهم سجدة، ثم بنى على ركعة، ثم يعيد من خلفه؛ لاحتمال إصابة السجدة موضعها‏.‏

الرابع‏:‏ في الجواهر لو لم يذكر كم صلى الأول ومن خلفه يعلم ذلك، أشار إليهم فيجيبوه بالإشارة فإن لم يفهم ومضى في صلاته سبحوا به حتى يفهم، فإن لم يجد بدا من الكلام تكلم، وقال سحنون‏:‏ ينبغي أن يقدم من يعلم فإن تمادى وصلى ركعة فليوهم القيام، فإن سبحوا به وجلس وتشهد ويوهم القيام، فإن سبحوا به قام واعتقدها ثالثة‏.‏

الثامن‏:‏ في السهو

وفيه مقدمة وستة فصول‏:‏

أما المقدمة ففيها عشر قواعد ينبني عليها فصول هذا الباب‏.‏

القاعدة الأولى‏:‏

للصلاة فرائض وسنن وفضائل - كما تقدم - فالفرائض لا بد منها، والسنن ينوب السجود عنها إن سها عنها، والفضائل لا يسجد لسهوها، ولا تعاد الصلاة لها‏.‏

تنبيه‏:‏

قال صاحب الجواهر‏:‏ يجب السجود للسنن التي أحصيناها فيما تقدم، ومن جملة ما أحصي‏:‏ الزيادة على مقدار الواجب من الجلوس الأخير، والاعتدال في الفصل بين الأركان، والصلاة على النبي - عليه السلام - وهذه لا خلاف في المذهب أنه لا يسجد لها، وإنما يسجد كما قال صاحب المقدمات‏:‏ لترك ثمان‏:‏

السورة، والجهر، والإسرار، والتكبير، وسمع الله لمن حمده، والتشهد الأول، والجلوس له، والتشهد الأخير‏.‏

القاعدة الثانية‏:‏

يسجد عندنا لنقص الأقوال المحدودة المتعلقة بالله تعالى، ولنقص الأفعال على تفصيل يأتي، وقولنا المحدودة احتراز من القنوت والتسبيح، وقولنا المتعلقة بالله تعالى احتراز من الصلاة على النبي - عليه السلام - والأدعية، وقال ش‏:‏ لا يسجد لشيء من الأقوال إلا التشهد والقنوت والصلاة على النبي - عليه السلام - ويسجد للأفعال، ووافقه أشهب في التكبير، وقال ح‏:‏ يسجد للأقوال الواجبة فإذا أتى بالفاتحة فقد أتى بالواجب فلا يسجد، وفرق بين الواجب والركن فالواجب‏:‏ ما له جابر، والركن‏:‏ ما لا جابر له كما نقوله نحن في الحج‏.‏ وقال بالسجود لترك تكبيرات العيدين، واعتبرها بالتشهد لتكررها في محل واحد، لنا قوله عليه السلام‏:‏ لكل سهو سجدتان‏.‏ احتجوا بأن التكبير كلمتان، فهو خفيف بالقياس على التسبيح‏.‏

والجواب عن الأول‏:‏ أن تكبيرة الإحرام كلمتان، وكذلك السلام وهما ركنان، وعن الثاني‏:‏ أن محل النزاع في القول المحدود والتسبيح ليس بمحدود‏.‏

القاعدة الثالثة‏:‏

قال صاحب الطراز‏:‏ الزيادة التي يبطل الصلاة عمدها موجبة للسجود خلافا لعلقمة والأسود في تخصيصهم السجود بالنقصان، وقولنا يبطل عمدها كالركعة والسجدة مثلا احتراز من التطويل في القراءة والركوع والسجود‏.‏ لنا قوله عليه السلام‏:‏ إذا شك أحدكم في صلاته - الحديث وسيأتي‏.‏

القاعدة الرابعة‏:‏

أن السهو إذا تكرر من جنس واحد ومن جنسين أجزأت فيه سجدتان، وقال عبد العزيز بن أبي سلمة‏:‏ إذا اجتمع الزيادة والنقصان سجد قبل وبعد، وقال الأوزاعي‏:‏ إن كان من جنس واحد تداخل كجمرات الحج، وإلا فلا، ولقوله عليه السلام‏:‏ لكل سهو سجدتان‏.‏

والجواب عن الأول أن السجود وجب لوصف السهو لقوله عليه السلام‏:‏ إذا سها أحدكم فليسجد سجدتين‏.‏ وترتيب الحكم على الوصف يوجب عليه ذلك الوصف لذلك الحكم، وإذا كان وصف السهو هو العلة اندرجت سائر أفراده تحت سجدتين، كما أنه لما وجبت الفدية في الحج لوصف الطيب اندرج أفراده في الفدية الواحدة، وعن الثاني أن المراد لكل سهو سجدتان فيه سائر أفراد السهو بدليل أنه - عليه السلام - سلم من اثنتين وهو سهو، وقام وهو سهو وقام وتكلم وهو سهو، ورجع إلى الصلاة وهو سهو، وسجد لجميع ذلك سجدتين؛ لأن الأصل ترتيب الأحكام على أسبابها، فلولا ذلك لسجد عقيب كل سهو كسجود التلاوة‏.‏

فرعان‏:‏

الأول‏:‏ لو تيقن السجود وشك هل هو قبل أو بعد‏؟‏ قال في العتبية‏:‏ سجد قبل ويبني على النقصان دون الزيادة كالشك في الركعات‏.‏

الثاني‏:‏ لو كثر سهوه واستنكحه، قال صاحب المنتقى‏:‏ لمالك ترك السجود للاستنكاح والسجود لما في الصحاح، قال عليه السلام‏:‏ إن أحدكم إذا قام يصلي جاء الشيطان فلبس عليه حتى لا يدري كم صلى‏؟‏ فإذا وجد أحدكم ذلك فليسجد سجدتين وهو جالس‏.‏

القاعدة الخامسة‏:‏

سجود السهو عند مالك للنقصان قبل، وللزيادة على سبيل الأولى، وقال ش‏:‏ كلاهما قبل، وقال ح‏:‏ كلاهما بعد ورواه عن علي وابن مسعود وعمار وابن أبي وقاص رضوان الله عليهم أجمعين‏.‏ وقال ابن حبيب‏:‏ كلاهما قبل الأمورد النص‏.‏ لنا ما في مسلم أنه - عليه السلام - قام من اثنتين فسجد قبل، وسلم من اثنتين ومن ثلاث فسجد بعد، ولأن النقصان بدل مما هو قبل السلام فيكون قبل السلام، والزيادة زجر للشيطان عن الوسوسة في الصلاة، لما فيه من ترغيمه فإن الإنسان إذا سجد اعتزل الشيطان يبكي ويقول‏:‏ يا ويله أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة، وأمرت بالسجود فعصيت فلي النار- الحديث‏.‏ فيكون بعد السلام حذرا من الزيادة، احتج ش بما في مسلم، قال عليه السلام‏:‏ إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى ثلاثا أم أربعا‏؟‏ فليطرح الشك وليبن على ما يتيقن، ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم فإن كان قد صلى خمسا شفعن له ما قد صلى، وإن كان قد صلى إتماما لأربع كانتا له ترغيما للشيطان‏.‏ وهو مضطرب الطرق، وأكثر الحفاظ يرونه مرسلا، ويحتمل أنه غير بالسجود عن سجدتي الركعة المكملة جمعا بين الأخبار‏.‏

فرع‏:‏

في الجواهر قال أشهب‏:‏ إن تعمد التقديم فيما بعد السلام فسدت صلاته، وقال ابن القاسم‏:‏ يعيدها بعد وتصح‏.‏

القاعدة السادسة‏:‏

في الكتاب‏:‏ السهو في النافلة كالفريضة، وقال ش في أحد قوليه وابن سيرين‏:‏ لا سجود في النافلة‏.‏ لنا قوله عليه السلام‏:‏ لكل سهو سجدتان، ولأنه جائز لما اختل من موجب الإحرام وهو مشترك بين البابين‏.‏

فرعان‏:‏

الأول لو سها عن السورة في النافلة، قال صاحب الطراز‏:‏ قال مالك‏:‏ إن شاء زاد في النافلة على الفاتحة، وإن شاء اقتصر عليها بخلاف الفريضة؛ فإنهما محدودة فيها فكما كان من المحدودات كالتكبير وعدد الركعات استويا فيه، وإلا فلا‏.‏ الثاني لو سها عن السلام في النافلة قال‏:‏ قال ابن القاسم‏:‏ أحب إلي أن يعيد، وإن لم يعتمد فسادها فلا تجب الإعادة، وقال سحنون‏:‏ أحب إلي أن يسجد متى ما ذكر؛ لأن السجود ثبت عليه بالترك ولا نأمره بالسلام؛ لأن الطول أوجب الخروج من الصلاة‏.‏

القاعدة السابعة‏:‏

إن الأصل في التكاليف أن تقع بالعلم؛ لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏ولا تقف ما ليس لك به علم‏)‏‏.‏ ولما تعذر في أكثر الصور أقام الشرع الظن مقامه لغلبة إصابته، وندرة خطئه تقديما للمصلحة الغالبة على المفسدة النادرة، وبقى الشك ملغى إجماعا فكل ما شككنا في وجوده من سبب أو شرط أو مانع استصحبنا عدمه إن كان معدوما قبل الشك، أو شككنا في عدمه استصحبنا وجوده، إن كان موجودا قبل الشك فعلى هذه القاعدة إذا شك في إكمال صلاته فقد شك في وجود السبب المبرئ للذمة، فيستصحب عدمه، ويلغى المشكوك فيه للحديث المتقدم، وكذلك إن شك في طريان الحدث بعد الطهارة فقد حصل الشك في حصول الشرط حالة أداء العبادة فيستصحب عدم الشرط حتى يتطهر، وإذا شك هل طلق أم لا‏؟‏ فقد شك في طريان السبب الواقع، فيستصحب عدمه فتثبت العصمة، وإذا طلق وشك هل واحدة أو ثلاثا‏؟‏ فقد شك في بقاء العصمة وهي شرط في الرجعة فلا تثبت الرجعة، وعلى هذه القاعدة تتخرج هذه الفروع، ولا يبقى فيها تناقض البتة‏.‏ سؤالان‏:‏ الأول مقتضى هذه القاعدة استصحاب وجود الطهارة، لتقدمه على الشك فلم لا يستصحب‏؟‏ الثاني إذا شك في الإكمال أكمل وسجد وقد ثبت السجود مع الشك في سببه الذي هو الزيادة أو النقص، فقد اعتبر المشكوك‏؟‏

والجواب عن الأول‏:‏ أن الشك في الشرط مستلزم للشك في المشروط فيقع الشك في صدور السبب المبرئ للذمة من المكلف، وهذا السبب كان معدوما فيستصحب عدمه، وعن الثاني‏:‏ أن الشك هاهنا هو السبب وهو مقطوع بوجوده، وللشرع أن ينصب أي شيء شاء سببا وشرطا ومانعا‏.‏

فرع‏:‏

المعتبر عندنا في عدد الركعات اليقين دون الظن وعند ش لإمكان تحصيله، وقال ح‏:‏ إن لم يكن موسوسا وشك بطلت صلاته، وإلا بنى على غالب ظنه، وقال ابن حنبل‏:‏ المنفرد يبني على اليقين، والإمام على غالب الظن‏.‏

القاعدة الثامنة‏:‏

إن نية الصلاة إنما يتناولها على الوجه المشروع من الترتيب والنظام المخصوص فإن غير ذلك لا يصح القصد إلى إيقاعه قربة؛ لكونه غير مشروع، فعلى هذا يفتقر التلفيق إلى نية تخصه، ولا تكفي صورة الفعل فلا يضم سجود الثانية إلى ركوع الأولى، وهذا المشهور خلافا لـ ش وأشهب وابن الماجشون‏.‏

القاعدة التاسعة‏:‏

الإمام يحمل عن المأموم سجود السهو؛ لقوله عليه السلام‏:‏ الإمام ضامن‏.‏ وضمانه ليس بالذمة لانعقاد الإجماع على أن صلاة زيد لا تنوب عن عمرو، وإنما الضمان يحمل القراءة والسجود أو من التضمن فتكون صلاة الإمام متضمنه لصفات صلاة المأموم من فرض وأداء وقضاء وقراءة وسجود وهو مطلوب‏.‏

القاعدة العاشرة‏:‏

التقرب إلى الله تعالى بالصلاة المرقعة المجبورة إذا عرض فيها الشك، أولى من الإعراض عن ترقيعها أو الشروع في غيرها، والاقتصار عليها أيضا بعد الترقيع أولى من إعادتها فإنه مناهجه عليه السلام، ومنهاج أصحابه والسلف الصالح بعدهم، والخير كله في الاتباع، والشر كله في الابتداع، وقد قال عليه السلام‏:‏ لا صلاتين في يوم‏.‏ فلا ينبغي لأحد الاستظهار على النبي - عليه السلام - فلو كان في ذلك خير لنبه عليه وقرره في الشرع، والله سبحانه وتعالى لا يتقرب إليه بمناسبات العقول، وإنما يتقرب إليه بالشرع المنقول‏.‏

الفصل الأول‏:‏ في نقصان الأفعال

وفيه ثلاثة عشر فرعا‏:‏

الأول‏:‏ قال صاحب الطراز‏:‏ إن سها عن سجود الأولى وذكر قبل ركوع الثانية يسجد، ويبتدئ القراءة أو بعد ركوعها ألغى الأولى، وجعل الثانية أولى، وفي الجواهر يرجع إلى الركوع والسجود ما لم يعقد الركعة التي بعدها بالرفع منها، وقيل بوضع اليدين على الركبتين، ويستحب له إذا رجع إلى القيام‏:‏

أن يقرأ قبل أن يركع، وقال ابن حنبل‏:‏ إن فرغ من القراءة بطلت الأولى، ووافقنا ح‏.‏ لنا أنها انعقدت بالركوع فمراعاتها أولى من غيرها، وقال ح وش‏:‏ يرجع إليها ولو ركع الثانية؛ لأن فعل الثانية وقع سهوا فمراعاة الأولى المشروعية أولى، لنا أن إلغاء الأولى يفضي إلى تتابع البناء بخلاف العكس، وقياسا على ذكرها آخر الصلاة ولو سجد من الثانية سجدة لم يرجع وفاقا إلا أن ش يضم سجدة الثانية للأولى، وقال ح‏:‏ إن كان الباقي من الأولى سجدتين بطلت أو سجدة أتى بسجدة في آخر صلاته؛ فإن الحكم في البناء الأكثر كما لو ركع المسبوق مع الإمام، ولأن السجود لما كان يتكرر لم يشترط فيه الترتيب كصيام رمضان‏.‏

جوابه‏:‏ أن السجدة فرض يترتب كالسجود مع الركوع، والإمام ناب عن المسبوق في القراءة، ولنا على ش‏:‏ أن الترقيع يفتقر إلى نية قبل الفعل، وقد وافقنا في الرجوح عن سجود الأولى حتى ركع الإمام في الجمعة فإنه يتبعه في الثانية، ولا ينصرف للأولى، وكذلك هاهنا‏.‏

تفريع‏:‏ قال‏:‏ إن ذكر سجدتين في قراءة الثانية ولم يطل سجدهما، فإن طالت القراءة يتخرج سجوده على الخلاف فيمن نسي الحمد فأعادها بعد السورة وأعاد السورة، فإنه يسجد عند سحنون، بخلاف ابن حبيب وإن ذكر في انحطاطه للركوع، سجد للسهو وفاقا وهل يرفع قبل السجود أم لا‏؟‏ يتخرج على أن الفعل إذا صادف محله ونوى به غيره هل يعتد به أم لا‏؟‏ وقد قال مالك‏:‏ إذا قرأ سجدة، فلما قصد السجود لها ركع، ثم ذكر تجزيه عن ركعته، وقال ابن القاسم‏:‏ لا تجزيه‏.‏ فإن قلنا ينحط فلا سجود، وإن قلنا يرفع وكان بلغ حد الركوع عليه السجود للسهو، وإن ذكر حين اطمأن راكعا فثلاثة أقوال‏:‏ روى ابن القاسم الرجوع إلى الأولى، وروى أشهب عدمه وإن تمكن اليدين من الركبتين فوت، وابن القاسم يرى أن الركوع إنما ينعقد بالرفع‏.‏ قال اللخمي‏:‏ والثاني أظهر؛ لأن المقصود من الركوع التواضع وقد حصل بالتمكن، وخيره ابن المواز وجه الأول‏:‏ أن المسبوق يدرك في حالة الرفع الركعة فيكون منها ولم يوجد فيستدرك؛ لأن المانع من الاستدراك انعقاد ركن، وإن ذكر بعد الرفع جعل الثانية الأولى عند ابن القاسم، وثانية عند مالك وفائدة الخلاف‏:‏ الاختلاف في القراءة هل يقرأ فيما بعدها بالحمد وسورة أم بالحمد فقط‏؟‏ قال والسجدة مثل السجدتين إلا في موضعين‏:‏ الأول إذا ذكر في قيامه أو ركوعه وقلنا يسجد فروى أشهب يخر ساجدا، وقاله ابن القاسم وابن وهب؛ لأنه إنما ترك الركوع لأجل السجود فلا يشتغل بغيره، ولأن الجلسة إنما تراد للفعل وقد حصل، وقال عبد الملك‏:‏ يجلس، ثم يسجد ليرجع إلى أول الخلل فيبني على الصحة، ويرجع بلا تكبير، وعلى الأول يرجع بتكبير‏.‏

الثاني أن في السجدتين إذا ذكر رافعا يرفع، ثم يهبط، وفي السجدة لا حاجة إلى الرفع؛ لأنها كانت يؤتى بها من غير قيام‏.‏

الثاني‏:‏ قال‏:‏ لو ركع وسها عن الرفع وتمادى فثلاثة أقوال‏:‏ قال مالك‏:‏

يجزيه، وقال ابن القاسم‏:‏ لا يعتد بتلك الركعة، وقال أيضا يرجع ما لم يعقد الركوع في ركعة أخرى فإن ذكر في سجوده، قال ابن المواز‏:‏ يرجع إلى الركوع محدوبا، ثم يرفع ويسجد بعد السلام، وإن رجع إلى القيام أعاد صلاته، وقال ابن حبيب‏:‏ يرجع إلى القيام معتدلا لئلا يحصل ركوعان، وهذا الفرع يلاحظ فيه وجوب الرفع من الركوع فلو ركع ورفع ولم يعتدل، قال‏:‏ فعلى القول بأن الاعتدال سنة يسجد قبل السلام، وعلى القول بوجوبه يعيد الركعة، وكذلك لو ترك الاعتدال بين السجدتين ولو جلس بينهما ولم يرفع يديه، فالمشهور يجزيه وعلى القول بوجوبه يرجع إليه ما لم يعقد ركعة، وهل يرجع فيضع يديه بالأرض، ثم يرفعهما أو يضعهما على فخديه فقط‏؟‏ يتخرج على الخلاف في الرفع من الركوع إذا ترك‏.‏

الثالث‏:‏ في الجواهر لو أخل بالسجود من الأولى وبالركوع من الثانية لم يجزه سجود الثانية عن الأولى، وكذلك لو أخل بالركوع من الأولى والسجود من الثانية؛ لافتقار الترقيع إلى نية تقارن الفعل، قال صاحب الطراز‏:‏ وقال أشهب وابن الماجشون‏:‏ يجزئ سجود الثانية ويلغي الركوع، وركوع الثانية عن ركوع الأولى اكتفاء بصورة الفعل‏.‏

الرابع‏:‏ في الكتاب إذا لم يجلس بعد اثنتين واستقل قائما لا يرجع، ويسجد قبل السلام، قال صاحب الطراز‏:‏ إن ذكر وهو يتزحزح للقيام جلس وسجد ولا شيء عليه، وإن ارتفع عن الأرض ولم يعتدل روى ابن القاسم لا يرجع وهو ظاهر الكتاب؛ لأن السجود وجب فلا يسقط بالرجوع فلا فائدة فيه، وروى ابن حبيب يرجع؛ لأنه لم يتلبس بركن، وفي أبي داود قال عليه السلام‏:‏ إذا قام الإمام في الركعتين فإن ذكر قبل أن يستوي قائما فليجلس، وإن استوى قائما فلا يجلس ويسجد سجدتي السهو‏.‏ فإن اعتدل قائما فلا يرجع عندنا وعند ش، وقال ابن حنبل‏:‏ الأولى الرجوع، وقال الحسن‏:‏ ما لم يركع‏.‏

تفريع‏:‏ إن رجع بعد النهوض وقبل الاستواء، قال ابن القاسم‏:‏ يسجد بعد السلام لإنجاز الخلل، ولحصول الزيادة، وإن رجع بعد الاعتدال جاهلا، قال سحنون‏:‏ تبطل صلاته، وقال ابن القاسم‏:‏ يسجد وتصح، قال‏:‏ ولا خلاف في الصحة إذا رجع ساهيا وفي الفساد إذا رجع عامدا مع العلم والمتأول يجزيه‏.‏ وإذا قلنا لا تفسد، قال ابن القاسم‏:‏ يتم جلوسه ويسجد بعد السلام ويعتد بجلوسه، وقال أشهب‏:‏ قيل ولا يعتد به، وإذا كان إماما فاعتدل فليتبعه المأموم، وإن رجع فعلى قول ابن القاسم‏:‏ يبقى جالسا معه؛ لأنه عنده يعتد بجلوسه، قال‏:‏ وعلى قول أشهب يحتمل أن يقال‏:‏ لا يقوم بقيامه؛ لأن المأموم على حكم جلوسه في الأرض أو يقوم؛ لأن بقيام الإمام وجب قيام الماموم، فإذا أخطأ لم يتبعه كما لو جلس من ركعة، قال‏:‏ وهو قياس‏.‏ فلو قاما معا ورجع الإمام لا يتبعه على قول أشهب، ويتبعه على قول ابن القاسم؛ لأنه يعتد به فلو جلس ونسي التشهد حتى اعتدل، ففي الجلاب لا شيء عليه، وفي المقدمات يسجد، وبه، قال ‏(‏ح وش‏)‏‏.‏ لنا أنه غير متعين فلا يسجد كالتسبيح، وقياسا على السورة والتكبير عندهما؛ فلو رجع للتشهد بعد النهوض وقد كان جلس، يخرج على الرجوع إلى الجلوس‏.‏

الخامس في الكتاب‏:‏ إذا ظن المسبوق سلام الإمام فقام للقضاء، ثم تبين له، فإن رجع قبل سلام الإمام فلا سجود عليه؛ لأنه مع الإمام ولا يعتد بما صلى قبل سلامه؛ فإن سلم عليه قائما أو راكعا، ابتدأ القراءة ويسجد قبل السلام، قال صاحب الطراز‏:‏ وقال في المختصر إذا رجع قبل السلام سجد بعد السلام؛ لأن الفعل الذي سها فيه هو ما سبق، والإمام لا يحمل السهو فيه؛ أما إذا سلم عليه قائما فلا يرجع اتفاقا، كما لو سها عن الجلسة الوسطى فذكرها قائما، ويسجد قبل لنقصه النهوض بعد سلام الإمام؛ ولمالك يسجد بعد احتياطا لترك الزيادة في الصلاة بسجود السهو، وقال عبد الملك‏:‏ لا سجود عليه؛ لأن سهوه مع الإمام، ويرجع من القيام قبل سلام الإمام بغير تكبير كالرجوع من الخامسة؛ ولو تكلم غير المسبوق عقب سلام إمامه ساهيا، قال مالك‏:‏ يسجد لبطلان الإمامة بالسلام وفيه خلاف؛ ولو سلم وانصرف فرجع قبل سلامه، قال مالك لا سجود عليه، قال ويتخرج فيها على قول ابن كنانة‏:‏ أن عليه السجود، فإن لم يعلم حتى سلم، رجع وجلس وسلم وسجد قبل السلام؛ لنقصان الجلوس للسلام‏.‏

السادس‏:‏ قال صاحب الطراز‏:‏ لو سها الإمام عن سجدة في الأولى، قال سحنون‏:‏ يسبحون به ما لم يعقد الركعة فيتبعونه، وكل حالة لو ذكر فيها رجع، لا يتبعونه فيها؛ فإذا عقد الثانية كانت أولاهم، فإذا جلس قاموا ويقومون معه في الثالثة كإمام قام من اثنتين، ويقومون في رابعته كإمام قعد في ثالثة، ويأتون بركعة يؤمهم أحدهم أو أفذاذا، ويسجدون قبل السلام؛ ولو دخل يؤم في الثانية فذكر في تشهدها سجدة لا يدري من أيتهما‏؟‏ قال سحنون‏:‏ يسجد سجدة ويتشهد ويجعلها أولى؛ فإن تيقنوا خلافه، لم يسجدوا معه ويقومون بثالثة ويسجدون معه للسهو، وإن شكوا اتبعوه إلا في الجلسة ويثبتون قياما؛ وقال مالك أيضا‏:‏ جلوسا - وهو أحسن، ثم رجع إلى اتباعهم في الخامسة؛ لاحتمال أن تكون رابعة فلا يخالفونه بالشك، ويقضونها لاحتمال كونها خامسة في حقه، قال ابن سحنون‏:‏ ويسجد بعد السلام‏.‏ قال صاحب الطراز‏:‏ يتخرج على الخلاف بين ابن القاسم وأشهب فيمن ذكر سجدة في آخر صلاته لا يدري من أيها‏؟‏ قال ابن القاسم‏:‏ يسجد الآن لتصح الرابعة ويأتي بركعة؛ وقال أشهب‏:‏ يأتي بركعة فقط؛ فعلى مذهب أشهب يحتسب بركعة، ولا يسجد سجدة خلاف ما قال سحنون؛ وقال ابن القاسم في ذاكر السجدة في آخر صلاته لا يدري من أيها‏؟‏ يسجد بعد السلام؛ لأن الزيادة معلومة والنقص مشكوك فيه، وقال سحنون‏:‏ قبل السلام تغليبا للنقص‏.‏ ولو ذكر سجدة في الثانية لا يدري من أيتهما‏؟‏ يسجد الآن ويجلس ويتشهد عند عبد الملك تتميما للثانية ما أمكن؛ وقال ابن المواز‏:‏ لا يجلس؛ لأنه كمن قال‏:‏ لا أدري؛ أصليت واحدة أو اثنتين وهو أبين؛ على قولنا يأتي بثانية بالحمد وسورة، ولو ترك سجدة من الأولى، وقام فسجدها واتبعه ساهون عامدون فذكر قبل الركوع فسجدها؛ فلا يعيدها من سجدها، وإن لم يذكر حتى ركع، مضى مع الساجدين؛ فإذا قام يأتي بركعة بدلا من الأولى لا يتبعه الساجدون، ويتبعه الساهون ويسجد بعد السلام هو والساجدون وغيرهم، وتبطل صلاة العامدين؛ والأحسن أعادة الساجدين، قال ابن حبيب‏:‏ فإن تمادى على إسقاط تلك الركعة وبنى على ذلك، صحت الصلاة له وللساهين، وبطلت على العامدين والساجدين؛ لاختلاف النيات بينهم وبين إمامهم‏.‏

السابع‏:‏ قال صاحب الطراز‏:‏ ولو أدرك معه ركعتين فذكر سجدة لا يدري من أي ركعة‏؟‏ وذكر المأموم سجدة لا يدري من أي ركعتين‏؟‏ فليسجد مع الإمام سجدة، ويتبعه في ركعة بالفاتحة ويسجد معه قبل السلام، ويقضى بعد ركعة؛ قال ابن المواز‏:‏ وقيل‏:‏ يتبعه في سجدته وركعته، وسجد معه السهو وسلم بسلامه؛ ويبتدئ الصلاة للاختلاف في الابتداء‏.‏

الثامن‏:‏ قال‏:‏ لو ذكر في آخر الصلاة سجدتين لا يدري مجتمعتين أو مفترقتين‏؟‏ سجد سجدتين وتشهد، ثم أتى بركعتين بالحمد فقط ويسجد قبل السلام؛ لاحتمال كونهما من الأوليين فتنتقص القراءة، ويتخرج فيها قول بالسجود بعد السلام؛ فلو كان مأموما سجد سجدتين، واتى بعد الإمام بركعتين بالحمد وسورة ويسجد بعد السلام؛ لأنهما إن كانتا من الأوليين فقد فاته أول صلاة الإمام بخلاف الفذ، وكذلك لو ذكر أن إمامه ترك ذلك دونه؛ والأحسن أن يعيد الصلاة في المسألتين لزيادة مثل النصف‏.‏

التاسع‏:‏ في الجواهر لو سها عن أربع سجدات من أربع ركعات، أو عن الثمان سجدات، أصلح الأخيرة، وخرجت المسألة على كثرة السهو، هل تبطل الصلاة أم لا‏؟‏

العاشر‏:‏ قال صاحب الطراز‏:‏ لو سبح المأموم بالإمام فلم يرجع حتى سلم فلا يسلم معه؛ فإن فاوضه الإمام لم يضره على أصل ابن القاسم؛ فلو سلم معه على يقين النقص أو شك، بطلت صلاته؛ فإن ذكر بعد ذلك الإتمام فقولان‏.‏

الحادي عشر في الكتاب‏:‏ إذا قال قوم للفذ لم تصل إلا ثلاثا لم يرجع إليهم - ولا سهو عليه أن تيقن الإتمام‏.‏ وفي الجلاب قال أشهب‏:‏ إن أخبره عدلان رجع إليهما، فإن سأل عن ذلك؛ ففي الكتاب يعيد الصلاة، قال صاحب الطراز‏:‏ إن كان لم يسلم فظاهر، وإن كان سلم فهو محمول على أنه تشكك، وإن الشك بعد السلام يؤثر‏.‏

الثاني عشر‏:‏ قال سحنون في كتاب نوازله‏:‏ لو ذكر سجدة في آخر وتره لا يدري‏:‏ هل هي منه أو من الشفع‏؟‏ سجد الآن وتشهد، وسلم وسجد بعد السلام، وأجزأه إن كان صلى شفعا، وإلا شفع وتره بركعة بعد السجود وأعاده؛ فلو ذكره من الشفع وتره؛ ويعيده إن لم يتقدم له إشفاع، وإلا كمله فقط‏.‏

الثالث عشر‏:‏ قال اللخمي‏:‏ لو ذكر سجدة من الرابعة وصلى خامسة ساهيا، قيل يسجد الرابعة؛ لأن الخامسة ملغاة شرعا فلا تحول؛ وقيل‏:‏ تحول وتبطل الرابعة وتنوب عنها الخامسة، وقيل‏:‏ لا تنوب ويأتي بها؛ فإن شك‏:‏ هل من الرابعة أو الخامسة‏؟‏ فعلى الأول يأتي بسجدة؛ لاحتمال كونها من الرابعة، ويسلم ويسجد بعد السلام؛ وعلى الثاني يأتي بركعة؛ لاحتمال كونها من الرابعة - وقد بطلت بحيلولة الخامسة، وعلى القول الآخر يسلم ويسجد للسهو لنيابة الخامسة عنها، إحدى الركعتين صحيحة ضرورة؛ فإن شك‏:‏ هل هي سجدة أو سجدتان مجتمعتان أو مفترقتان‏؟‏ يأتي بسجدتين ينوي بهما الرابعة؛ لاحتمال كونهما مجتمعتين؛ وعلى الثاني يأتي بركعة، وعلى القول الآخر يأتي بسجدة ينوي بها الخامسة؛ لإمكان افتراقهما، والرابعة بطلت بالخامسة ونابت الخامسة عنها بعد ترقيعها‏.‏